يُخطئ من يعتقد أنّ العدالة الدّولية يُمكن أن تُنصِف الشعوب المقهورة من حكامها الظلمة! لو كان هذا الأمل مُمكن التحقيق، ما كان هناك استعمار بالأساس لهذه الشعوب!؟
الدّليل على أنّ العدالة هي جزء من التنمية، لا يُمكن استرادها أو تصديرها للشعوب المقهورة، هو أنّه حتى الآن لم تُجْرَ آلية لمُحاكمة عادلة لصالح الشعوب ضدّ حكامها، أو ضدّ زعماء غربيين دمروا بلدانا كاملة، وأنجزوا باسم “العدالة” والحرية مَناكِرَ ضدّ الإنسانية!؟
هل سمعتم بالعدالة الدولية التّي ترفع شعارت “الجرائم ضدّ الإنسانية لا تموت بالتقادم”؟! هل سمعتم أنّ أمريكا مثلا، حاسبت حكامها على ما فعلوه في فيتنام قبل 50 سنة؟! أو حاسبت عسكرها على ما فعله في العراق أو سوريا أو ليبيا؟! أو حاسبت فرنسا عما فعلته في الجزائر قبل 60 سنة؟! أم أنّ هذه الجرائم ماتت بالتقادم؟! أبو غريب والعامرية، و 8 ماي 1945 ودلتا نهر الميغونغ في فيتنام، لا تقل فضاعة عن الهولوكوست النّازي، وعن المجازر الأرمينية، فلماذا تموت تلك الجرائم ولا تموت هذه؟ السبب واضح، وهو أن العدالة الدولية التّي تلغي الحدود بالنسبة للجرائم ضدّ الإنسانية، لا تُطبق على من وَضَعَ هذا المبدأ الإنساني العظيم!؟
لهذا لا بد أن يتساءل الجزائريون، لماذا بقيت القوى الحيّة في الجزائر 30 سنة كاملة، وهي تلهث وراء مُحاسبة حُكامها على ما فعلوه في العشرية الحمراء في التسعينات، ولم تصل بعد إلى مُحاكمة أيّ مسؤول عن هذه الجرائم!؟ والجواب واضح الآن، تلك الجرائم المُرتكبة، لم تُرتكب لإنقاذ الشعب والبلد من أخطارٍ، كما يزعم مُرتكبوها، بل ارتكبت دفاعا عن مصالح من بيده العدالة الّدولية، لهذا كان وضع هؤلاء أمام العدالة الدّولية، لا يختلف عن وضع من ارتكب جرائم العامرية، وأبوغريب، وصبرا وشاتيلا، ودير ياسين، وماي 45، ودلتا نهر الميغونغ، ومجازر رواندا، ومجازر حلب وحما، والبراميل المتفجرة!؟ هم يُقَيِّمُون هذه المجازر ضدّ الإنسانية، على أنها مجازر ارتكبت لحماية الإنسانية، وحرية الإنسان، ولهذا السبب أيضا تُمَجَدُ أعمال الاستعمار من طرف المؤسسات البرلمانية لهذه الدول، وتُقَدَم على أنّها حضارية ضدّ الهمج الذّين يُعادون الحضارة.
في 1990 شنت أمريكا حربا ضدّ العراق، وتحولت المؤسسات الإعلامية الأمريكية إلى حاملة طائرات إعلامية، ومنها “سي أن أن” (CNN)، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، وضُرِبَ العراق، ورجع 50 سنة إلى الخلف.. تبيّن أنّ الرّأي العام الأمريكي قد ضُلِّلَ من طرف الإعلام، وأنّ العراق لا يملك السلاح النووي، ولا الكيماوي، فحدثت فضيحة للإعلام الأمركي، واعتذرت (CNN) للشعب الأمريكي على هذا الخطأ الذّي أدى إلى تدمير العراق بالكامل، بناءً على أكاذيب سياسية ومخابراتية، ولكن حتى الاعتذار كان للأمريكان الذين لم يتضرروا من هذه الحرب، وكان من المفروض أن يكون الاعتذار للشعب العراقي، الذي كابد ويكابد الأمرين بسبب هذه الحرب، لكن الحرية والعدالة الانتقائية الأمريكية لا تسمح باعتذار من هذا النوع.
في هذه الأثناء عقدت ندوة في قناة الجزيرة حول التضليل الاعلامي سنة 1993، حضرتُها عن الجزائر، واقترحتُ أن تُدرج لائحة في الأمم المتحدة، يُقِرُ بموجبها مُعاقبة أيّة دولة تتعمد التضليل الإعلامي، وهذا حماية للإعلام.. صفقت القاعة للمقترح، ولكن الأمريكان الحاضرين الذّين يمثلون وسائل الإعلام الأمريكية، رفضوا هذا المقترح، لأنّه يُقَيِدُ حكومتهم عبر العالم، ويُؤثر على آدائها كشرطي للعالم..!
هل فهمتم الآن أنّ العدالة والحرية الحقة تُبْنَى في الدّاخل؟!
سعد بوعقبة
تعليقات الزوار
مجرد وجهة نظر
وهل صحافة الجزائر لا تمارس التضليل والكدب والتدليس والتطبيل لحكامها ، اليست خاضعة خضوعا تاما لكبرنات العسكر ؟؟؟