أظهر تحليل أجرته رويترز لوثائق شركات أن عددا من أكبر الشركات المالية في أوروبا قلصت روابطها بشركات إسرائيلية أو بشركات لها روابط مع إسرائيل، في ظل تصاعد الضغوط من نشطاء وحكومات لإنهاء الحرب في غزة.
وغالبا ما تكون البنوك وشركات التأمين صريحة في أهدافها المتعلقة بالبيئة والحوكمة لكنها أقل صراحة في الإفصاح عن انكشافها المحتمل على الحرب.
وقال مصدر إن بنك «يونيكريديتو» الإيطالي وضع إسرائيل على قائمة «المحظورين» مع تصاعد الصراع في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، مؤكداً دراسة أجرتها منظمة «باكس» السلمية الهولندية غير الحكومية.
وتتماشى هذه الخطوة مع سياسة البنك الإيطالي في قطاع الدفاع بعدم تمويل صادرات الأسلحة مباشرة إلى أي بلد متورط في صراع، لكنها تتجاوز المبادئ التوجيهية الإيطالية لصادرات الأسلحة إلى إسرائيل.
ورفض «يونيكريديتو» ووزارة المالية الإسرائيلية التعليق.
وباعت شركة إدارة الأصول النرويجية «ستوربراند» وشركة التأمين الفرنسية «أكسا» أسهم شركات إسرائيلية تضمنت بنوكا.
ولا تقدم وثائق الشركات إلا لمحة عن مثل هذا الانكشاف، لكنها تظهر أن الشركات تعمل على إعادة ضبط الأوضاع.
وقال مارتن روهنر، المدير التنفيذي لـ»التحالف العالمي للمعاملات المصرفية القائمة على القيم» الذي يركز على التمويل المستدام «لا نعلم ما إذا كان هذا يمثل بداية تحول في الصناعة، وهو التحول الذي يعترف بقدرة البنوك على اختيار المكان الذي تخصص فيه رأس المال، والمكان الذي لا تخصص فيه رأس المال».
وأضاف روهنر «الاستثمار في إنتاج وتجارة الأسلحة يتعارض أساساً مع مبادئ التنمية المستدامة».
وقال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي إن الشركات ما زالت تجمع الأموال على الرغم من أن الاقتصاد الإسرائيلي يواجه تحديات. وأضاف «أجلس مع المستثمرين الأجانب وهم يؤمنون باقتصادنا».
وجاء في تقرير لوكالة رويترز للأنباء أن قاعدة المستثمرين في إسرائيل تقلصت منذ بدء حربها في غزة العام الماضي وأنها تشعر بتأثيرات زيادة كلفة الاقتراض.
ويمكن رؤية التأثيرات الأوسع المحتملة في النهج الذي اتبعته شركة «ستوربراند» التي أظهرت بياناتها أنها سحبت حصة تبلغ قيمتها نحو 24 مليون دولار من شركة «بالانتير» الأمريكية التي تزود الجيش الإسرائيلي بالتكنولوجيا استناداً إلى احتمال حدوث انتهاكات للقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان. ولم تستجب المجموعة الأمريكية لطلب التعليق.
وجاء في التقرير الاستثماري السنوي لشركة «ستوربراند» أنها حتى نهاية عام 2023 استبعدت 24 شركة منها شركات إسرائيلية، من جميع محافظها الاستثمارية فيما يتعلق باحتلال الأراضي الفلسطينية. وفي يناير/كانون الثاني، قضت محكمة العدل الدولية، وهي أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة، بوجود خطر محتمل بإلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه بحقوق الفلسطينيين في الحماية من الإبادة الجماعية.
وقالت المحكمة في يوليو/تموز الماضي إن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية ووجود المستوطنات أمر غير قانوني.
ورفضت إسرائيل هذه الأحكام التي صاحبتها ضغوط متزايدة من نشطاء وحكومات لا تزال تؤثر على قرارات الاستثمار.
وتزايدت الحملات التي تستهدف «أكسا»، إحدى أكبر شركات التأمين في أوروبا، والبنك البريطاني «باركليز» وشركة التأمين الألمانية «أليانز».
وقال ديفيد كينلي، أستاذ ورئيس قسم قانون حقوق الإنسان في كلية الحقوق في سيدني «تزايد الطلب بتعزيز الشفافية والتدقيق لا يترتب عليه سوى أن تقوم المؤسسات المالية بتكثف وتوسيع نطاق تقييمها الذاتي لارتباطاتها التجارية مع الشركات أو الدول المرتبطة بالأسلحة».
وقال متحدث باسم صندوق الاستثمار الاستراتيجي الأيرلندي لرويترز إن الصندوق خرج من ست شركات إسرائيلية ببيع حصص بلغت قيمتها نحو ثلاثة ملايين يورو (3.26 مليون دولار) بما في ذلك بعض أكبر البنوك الإسرائيلية.
وفي وقت سابق من هذا العام، قال الصندوق الأيرلندي الذي تبلغ قيمته 15 مليار يورو إن صورة المخاطر لمثل هذه الاستثمارات تخرجها عن معاييره للاستثمار.
وقد يسحب صندوق الثروة السيادية النرويجي الذي تبلغ قيمته 1.8 تريليون دولار، وهو الأكبر في العالم، استثماراته من شركات تساعد عمليات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتنتهك معايير الأخلاقيات الخاصة بالشركات.
كما تخضع الاستثمارات في البنوك الإسرائيلية للتدقيق أيضاً.
وأدرجتها الأمم المتحدة في عام 2020 في قائمة الشركات المرتبطة بالمستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة كجزء من مهمتها لمراجعة التأثير على الحقوق الفلسطينية.
وتظهر دراسة أجرتها شركة الأبحاث «بروفوندو»، بتكليف من هيئة مراقبة الشركات «إيكو»، أن شركة «أكسا» باعت كل حصصها تقريبا في أسهم البنوك الإسرائيلية في وقت سابق من هذا العام، واحتفظت بحصة هامشية فقط في بنك «ليئومي».
وتحققت رويترز من البيانات من خلال مجموعة بورصات لندن. ولم يرد ممثل بنك «ليئومي» لطلب التعليق.
ولم يرد متحدث باسم «أكسا» على طلب التعليق على ما إذا كانت الشركة قد خفضت حصصها لكنه قال إن الشركة لا تستثمر في البنوك التي يستهدفها النشطاء. وأضاف أن قائمة الأمم المتحدة من بين المعايير التي تأخذها أكسا في الاعتبار عند اتخاذ قرارات الاستثمار.
وأظهرت بيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد» أن الاستثمار الأجنبي المباشر في إسرائيل انخفض 29 في المئة في عام 2023 إلى أدنى مستوى منذ عام 2016.
وأرقام «أونكتاد» لعام 2024 غير متوافرة، لكن وكالات التصنيف الإئتماني قالت إن التأثير غير المتوقع للحرب على الاستثمار في إسرائيل مثير للقلق.
وما زالت الولايات المتحدة أكبر داعم عسكري ومالي لإسرائيل لكن إسبانيا وأيرلندا والنرويج أقرت بدولة فلسطينية، ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى وقف تصدير الأسلحة، وعلقت بريطانيا بعض التراخيص.
وقال ريتشارد بورتيس، أستاذ الاقتصاد في كلية لندن للأعمال، إنه حين يتعلق الأمر بالسياسة الدولية «يجب أن يعود الأمر للحكومات لاتخاذ نهج واضح… تحميل العبء على الشركات الخاصة، إلى أين ينتهي (بنا) هذا؟».
وفي مثال على كيفية استهداف الناشطين للشركات مباشرة، تعرض بنك «باركليز» لضغوط من حملة في بريطانيا، مما دفعه إلى سحب رعايته لمهرجانات موسيقية صيفية. وقال تقرير لصحيفة «»فاينانشال تايمز في أغسطس/آب إن البنك يفكر في الانسحاب من بيع سندات حكومية إسرائيلية.
وقال باركليز في بيان إنه ما زال «ملتزماً تماماً» بدوره كمتعامل رئيسي وأن مثل هذه الأنشطة تشهد تقلبات كل ربع سنة. وخرج البنك من قائمة أكبر خمسة متعاملين في السندات الإسرائيلية في الربعين الثاني والثالث، بعد أن احتل المركز الثالث في عام 2023.
تعليقات الزوار
لا تعليقات