أخبار عاجلة

ألان غريش ينتقد تواطؤ الإعلام الغربي مع الإبادة الجماعية في غزة

تحت عنوان: غزة.. مرافقة إعلامية غربية للإبادة الجماعية؛ كتب الصحافي الفرنسي المخضرم والمعروف ألان غريش، في افتتاحيته الأخيرة بموقع “أوريان21 ” الذي يديره، أنه منذ فترة وجيزة، لم يكن الإعلام الغربي حذراً إلى هذه الدرجة. ولم يكن أحد يتردد في إدانة الغزو الروسي، أو يخطر على بال أحد أن يتحدّث عن “العملية الروسية الخاصة”، إلا من باب السخرية. أما اليوم، فقد ترسّخت العبارة الإسرائيلية التي تتحدّث عن “الحرب بين إسرائيل وحماس” لدى جميع وسائل الإعلام، وكأنها حرب بين طرفين متساويين يواجهان بعضهما البعض، أو كأن معظم الضحايا ليسوا من المدنيّين، بل يتبعون كتائب القسام.

وأضاف الكاتب أن المصطلحات المستخدمة في الصحف قد تختلف ولكن يتم في أغلب الأحيان وصف حركة حماس بأنها “منظمة إرهابية” – للتذكير، فإن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة هما الوحيدان اللذان يعتبرانها كذلك – هذا التوصيف يبرّئ إسرائيل مقدماً من كافة جرائمها: أليس كل شيء مسموحا به في مواجهة الشر المطلق؟.

وتابع غريش أن الغربيين يعلمون التوجّس الذي رافق أرقام الوفيات التي أعلنت عنها وزارة الصحة في غزة، والتي تُقدّم إلى اليوم في الإعلام الغربي مصحوبة بعبارة “بحسب حماس”، والحال أن الأرقام الحقيقية هي بلا شك أكثر من ذلك بكثير، نظراً لعدد الأشخاص الذين لا يزالون تحت الأنقاض. وقد تم تنسيب طريقة تعامل إسرائيل مع الرهائن الفلسطينيين، حيث يتم تجريدهم من ملابسهم وإهانتهم وتعذيبهم، وكأن مجرّد ورود إمكانية انتمائهم إلى حماس يبرّر هذه المعاملة. من ناحية أخرى، انتشرت الأخبار الكاذبة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول حول بتر أحشاء النساء، أو قطع رؤوس الرضع أو حرقهم في الأفران، لأنها حظيت بتأييد – أو نُشرت من قبل – المسؤولين الإسرائيليين. وحتى بعد أن رُفع الستار عن هذه الأكاذيب، لم يعتقد أي فريق تحريري أنه من الضروري الاعتذار على المساهمة في الترويج للدعاية الإسرائيلية.

في فرنسا، يحظى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بمنبر في القنوات الإخبارية، وعندما يقرّر صحافي القيام بعمله على أكمل وجه واستجوابه دون أن يتماهى مع خطابه، يتم استدعاؤه وتوبيخه من قبل إدارته. في الأثناء، بالكاد يتم الإشارة إلى التصريحات العنصرية الصارخة التي تصل إلى حد التحريض على الكراهية أو العنف ضد منتقدي الجيش الإسرائيلي، ناهيك عن كون الصحافيين من أصول عربية محلّ شبهة واتهام بـ“الطائفية” إذا تجرّأوا وقدّموا قراءة أخرى للأحداث، يشير الكاتب.

وفي حين ترفض إسرائيل دخول الصحافيين الأجانب إلى غزة – باستثناء أولئك الذين يقبلون بـ“اصطحاب” الجيش في “جولة”، الأمر الذي فعله العديد من المراسلين دون أدنى انتقاد لما يفرضه عليهم الجيش الإسرائيلي من شروط – قليلة هي الأصوات التي احتجّت على هذا الحظر. فعلاً، بالكاد تحرّك أصحاب المهنة ضد اغتيال 110 صحافيين فلسطينيين، وهو رقم استثنائي لم نشهده في أي حرب حديثة. ماذا لو كان هؤلاء المراسلون أوروبيين؟ الأدهى من ذلك هو أن منظمة “مراسلون بلا حدود” تحدثت في تقريرها السنوي الصادر في 15 ديسمبر/كانون الأول 2023 عن مقتل “17 صحافيًا [فلسطينيًا] أثناء ممارسة عملهم”، وهو تصريح تم تداوله في عديد وسائل الإعلام الفرنسية. علاوة على الرقم، كيف لهذه المنظمة أن تتفوّه بهكذا تصريحات، ونحن نعلم أن إسرائيل تستهدف الصحافيين عمداً، في غزة والضفة الغربية، كما جرى مع اغتيال الصحافية شيرين أبو عاقلة؟. ولا ننسى الزميل وائل دحدوح، مدير مكتب الجزيرة في غزة، الذي فُجع مرّة أخرى باغتيال نجله في 7 يناير /كانون الثاني، بعد أن استهدف صاروخ إسرائيلي السيارة التي كانت تنقله مع زميله مصطفى ثريا في رفح، جنوب القطاع.

في الحقيقة، ندين بمعظم الصور التي تصلنا لهؤلاء الصحافيين الفلسطينيين، يقول ألان غريش. وعلى الرغم من أن بعضهم عمل بالفعل في الماضي كـ“منسق” لصحافيين فرنسيين، إلا أن الإعلام الفرنسي ينظر إليهم كمشتبه بهم لا لشيء إلا لأنهم فلسطينيون. في الأثناء، يتم الاستماع إلى الصحافيين الإسرائيليين، الذين يتبنّون في معظمهم سردية الجيش الإسرائيلي، باستثناء موقع “972+” أو بعض صحافيي “هآرتس”.

وتابع الكاتب القول “شهدنا في الأيام الأخيرة نقاشات سريالية في محطات الإذاعة والتلفزيون، حول مقترحات تهجير الفلسطينيين إلى الكونغو أو رواندا أو أوروبا، دون التذكير والإصرار على أننا نتحدّث عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وأن من يقترح هذه الأفكار يجب أن يُحاكم على هذا الأساس”.

وفق الأمم المتحدة، أصبح قطاع غزة “مكانا للموت وغير قابل للسكن”. في كل يوم تأتينا الأخبار حول تفاقم عدد القتلى (أكثر من 24 ألفا)، والجرحى (أكثر من 61 ألفا)، وقصف الهياكل الطبية، والإعدامات بإجراءات موجزة، والتعذيب على نطاق واسع، وتدمير المدارس، والجامعات، والمنازل. حتى إنشاء مصطلح جديد “قتل المنازل” للإشارة إلى هذا التدمير المنهجي للبيوت. لكن نادراً ما تكون هذه الجرائم موضوع تحقيقات صحافية في فرنسا. من شأن المذكرة التي قدمتها جنوب أفريقيا في 29 ديسمبر/كانون الأول 2023 إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي أن تمنح وسائل الإعلام مادة كافية لنشر أكثر من سبق صحافي، وأن تمنح الضحايا (وليس فقط ضحايا 7 أكتوبر/تشرين الأول) وجهًا واسمًا وهوية ـ وأن تُجبر إسرائيل والولايات المتحدة – التي تسلح تل أبيب دون أن تنبس ببنت شفة – وكذلك الدول الغربية الأخرى – خاصة فرنسا – على مواجهة مسؤولياتها. إذ لا يكفي إنزال بعض الإمدادات بالمظلات على السكان المحتضرين، أو التعبير عن “القلق” من خلال بيان رسمي.

واعتبر ألان غريش أننا نشهد للمرة الأولى إبادة جماعية على الهواء مباشرة – حرفيًّا – عبر قنوات إخبارية عربية أو شبكات التواصل الاجتماعي، وهو ما لم يحدث لا في رواندا ولا في سريبرينيتشا. وأمام هذه الإبادة، فإن تناسي ما يجري في غزة وإبعاده من العناوين الأولى للصحف ليصبح خبراً ثانويًّا أمر مثير للقلق. والحال أن الصحافيين، بقدر الدول الموقعة على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، يتحملون مسؤولية أخلاقية للتعبئة لوقف هذه الجريمة المتواصلة.

ورأى الكاتب أنه لتجنب التواطؤ في الإبادة الجماعية، يمكن لفرنسا أن تساعد في وقفها من خلال تعليق التعاون العسكري مع إسرائيل، وفرض عقوبات ضد الفرنسيين الذين يشاركون في الجرائم في غزة، وتعليق حق المستوطنين في دخول أراضيها، أو حتى تعليق استيراد البضائع الإسرائيلية، خاصة وأن بعضها يأتي من المستعمرات وبالتالي يتم تسويقه بما يخالف القرارات الأوروبية.

وذكّر ألان غريش أنه في أعقاب هجوم روسي على بلدات أوكرانية خلّف نحو ثلاثين قتيلاً، دانت الحكومة الأمريكية “هذا القصف الرهيب”، في حين أدانت الحكومة الفرنسية “استراتيجية الإرهاب الروسية”. ونشرت صحيفة “لوموند” عنواناً رئيسيًّا حول “حملة الإرهاب الروسية”. فكم يجب علينا أن ننتظر من الوقت لنرى الحرب الإسرائيلية على غزة تُصنّف كإرهاب؟، يتساءل ألان غريش.

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات