رغم صعوبة الأوضاع وعدم الاستقرار في معبر “رأس جدير” الحدودي بين تونس وليبيا نتيجة عدة عوامل، إلا أن خبيرا تونسيا اعتبر أن وضع الحلول من أجل تيسير الحركة والعمل في المعبر أمر “ممكن رغم صعوبته”.
في مارس/ آذار الماضي، أوقفت السلطات الليبية تونسيين يتاجرون في مواد مصدرها ليبيا، واتهمتهم بالتهريب عبر معبر رأس جدير بين الجانبين وذلك عقب سجن السلطات التونسية ليبياً بنفس التهمة.
وبعد جهود دبلوماسية توصل الطرفان إلى اتفاق تم بموجبه إطلاق سراح 49 تونسيا مقابل 3 ليبيين، تم توقيفهم على معبر راس جدير بتهم التهريب.
ورغم محاولة إيجاد حلول لتنظيم عمل معبر رأس جدير سواء على مستوى حركة المسافرين أو التجارة من قبل تونس وليبيا، إلا أن أوضاعه تبقى صعبة وغير مستقرة.
وفي 21 أبريل/ نسيان الجاري، عقدت اللجنة الفنية الجمركية التونسية الليبية المشتركة اجتماعا أفرز عددا من التوصيات التي تهدف إلى تعزيز التعاون الجمركي وتسهيل حركة المسافرين والمبادلات التجارية بين البلدين.
وناقش الاجتماع، وفق بيان للجمارك التونسية في حينه، معالجة الإشكاليات المتعلقة بمادة المنشأ، كما تم تناول تنفيذ عدد من الدورات التدريبية لصالح الأعوان والضباط من الجانبين بما يسهم في رفع المستوى المهني في المعبر.
وخلال الاجتماع تم الاتفاق على اعتماد آلية تواصل آنية بين الجانبين لمكافحة التهريب والجرائم الجمركية.
كما تم التطرق إلى الحرص على مزيد تفعيل آلية المنفذ الجمركي المشترك بمعبر رأس جدير.
وتشترك تونس وليبيا بخط حدودي على طول نحو 500 كلم، ويربطهما منفذان بريان فقط، هما: معبر رأس جدير، ومعبر الذهيبة وازن.
ويقع معبر “رأس جدير” في مدينة بنقردان بمحافظة مدنين جنوب شرق تونس، ويبعد نحو 30 كلم عن مركز المدينة، وقرابة 180 كلم عن العاصمة الليبية طرابلس
حركة متعثرة
يقول مصطفى عبد الكبير رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان والخبير بشأن المنطقة الحدودية التونسية الليبية: “رأينا إيقافات عديدة ومحاضر عديدة للبضاعة على أنها مهربة سواء كان من الجانب التونسي أو الليبي كذلك تم حجز سيارات من الجانب الليبي إلى يومنا هذا”.
وأضاف: “تصاعد التوتر في المعبر خلال شهر رمضان، الأمر الذي دعا السلطات الليبية والتونسية إلى الاجتماع في وزارة العدل التونسية والاتفاق على العمل على التنسيق للإفراج على الموقوفين والتسريع بمحاكمة المسجونين تمهيدا للإفراج عنهم”.
وأردف عبد الكبير: “معبر رأس جدير ليس مكانا للتهريب بل هو بوابة رسمية وإذا حصلت تجاوزات فهي إخلالات إجرائية”.
وأشار إلى أن “تطبيق الاتفاقيات المشتركة سهل عودة الليبيين إلى بلدهم والإفراج عن بضائعهم، وفي المقابل تم الإفراج عن عدد كبير من التونسيين في ليبيا على دفعات وبلغ العدد 51 تونسيا و30 سيارة لهم”.
وقال: “اليوم لا تزال هناك صعوبات حقيقية ويستمر الجدل طالما ليس هناك اتفاق وبروتوكول رسمي يلتزم به الجميع، وهذا راجع إلى بعض المشاكل سواء لدى الطرف الليبي أو الجانب التونسي”.
وأضاف عبد الكبير: “هذه الصعوبات مردها أن معبر رأس جدير هو معبر كبير جدا وهناك أعداد كبيرة من المسافرين وشاحنات السلع والسيارات ولابد من خطة كاملة شاملة لإدارة المعبر بل لا بد من قوة استقرار في البلدين لتسيير المعبر على أحسن وجه”.
وأشار إلى أن لجنة عليا تونسية ليبية اجتمعت الأسبوع قبل الماضي في العاصمة طرابلس.
وأوضح أن اللجنة “خرجت بـ5 نقاط توافقية في إطار لجان مشتركة أمنية وجمركية تعمل على تسيير المعبر والتدخل كلما حدث طارئ والعمل على تبادل المعلومات وتطبيق الاتفاقيات المشتركة، وكذلك العمل على التمكين الاقتصادي بين البلدين وتسهيل حركة مرور المسافرين وتخفيض ساعات الانتظار في الجانبين”.
أوضاع ليبيا
واعتبر عبد الكبير أن وضع المعبر وعدم الاستقرار فيه “مرتبط بعدة نقاط منها عدم الاستقرار في الجانب الليبي”، مشيرا إلى أنه “في كل فترة هناك قوى متصارعة للسيطرة على المعبر”
ولفت إلى وجود “قوى خارجية وعدة تدخلات تغذي هذا الصراع، وأيضا لوبيات اقتصادية ومالية (لم يوضحها) سواء كان من الجانب التونسي أو الليبي لها دور كبير في عدم الاستقرار”.
وأرجع عدم استقرار المعبر أيضا إلى ما وصفه بـ”ضعف اللجان المشتركة التونسية الليبية التي لم تقم بدورها كما يجب”، لافتا إلى أنها “مطالبة بالعمل أكثر”.
وتابع عبد الكبير: “المسافرون عبر هذا المعبر متعودون على نوع من العشوائية والفوضى وعدم احترام القانون، إضافة إلى سيطرة لوبيات التهريب على جزء معيّن من المعاملات في المعبر”.
وقال: “من الجانب التونسي لابد من توعية الأعوان (الأمن) بواجباتهم تجاه المسافرين، كما يجب تجهيزه من الجهتين بالإمكانيات اللوجستية اللازمة، فالمعبر يفتقد لأبسط الإمكانيات من مقاهٍ ومطاعم وخدمات سريعة”.
تأثير اقتصادي
ولفت عبد الكبير إلى أن تأثير المعبر الاقتصادي ليس على مدينة بنقردان (الحدودية مع ليبيا) فقط، “بل هناك 70 مدينة تونسية وليبية تعيش على إيرادات المعبر منذ ما قبل عام 2011 وهي تطورت بفضل المعبر الذي هو شريان تنموي مهم”.
وأضاف: “في ظل غياب سهولة الحركة وانسياب السلع وغياب التبادل التجاري على المعبر نرى أن غالبية التجار الليبيين يعانون صعوبات لأنهم مرتبطون بالتجار التونسيين، والعكس صحيح”.
وأردف عبد الكبير: “الارتباط الاقتصادي الوثيق بين البلدين يؤثر كثيرا على مئات الآلاف من العائلات التونسية في الجنوب والداخل والعائلات الليبية في الغرب الليبي”.
وتابع: “معبر رأس جدير الذي يعد الحل لتنمية هذه الجهات بقي على حاله رغم قوة السلطة في ليبيا في عهد (الرئيس الليبي الأسبق) معمر القذافي”.
وقال: “الجانب التنموي في هذه المناطق بقي مرتبطا بالمعبر وهي تعيش صعوبات حقيقية نراها الآن في مدن الزاوية وصرمان وزوارة وجميل والعجيلات والراقدالين وحتى جبال نفوسة لأنها مرتبطة بالجانب التجاري مع تونس”.
وأضاف: “كلما توتر الوضع في المعبر أصبحت الحياة أصعب لدى تلك المناطق الليبية، وكذلك الحال بالنسبة لمدن الجنوب التونسي مثل مدنين وتطاوين وسيدي بوزيد والقيروان وقفصة”.
خسائر كبيرة
وحول الخسائر الناجمة عن الأزمات في معبر رأس جدير قال عبد الكبير: “حجم التبادل بين تونس ليبيا يقدر بملايين الدنانير في الجانبين”.
وتابع: “عام 2024 هو الأسوأ بالنسبة للجانبين وخاصة تونس التي فقدت أكثر من 250 مليون دينار (83.3 مليون دولار) نتيجة توقف الحركة التجارية في المعبر بين مارس/ آذار وأكتوبر/ تشرين الأول 2024 وفي الجانب الليبي هناك خسائر كبيرة أيضا”.
وأشار إلى أن “هناك أكثر من 300 مصنع تونسي صغير تعيش صعوبات نتيجة توقف المعبر لأن 70 بالمئة من منتجاتها تصدر إلى ليبيا”.
وتابع عبد الكبير: “ملايين الدولارات خسرها البلدان نتيجة توقف التبادل التجاري، هذا بالإضافة إلى خسائر اجتماعية وتعطل السياحة الاستشفائية للمسافرين عبر معبر رأس جدير، وهذا يؤثر على الاقتصاد التونسي وجزء من الاقتصاد الليبي”.
الحلول صعبة لكن ممكنة
وخلص عبد الكبير إلى أنه “هناك حلول لهذا الوضع يمكن تعديدها ولكن تطبيقها يصعب حاليا”.
وقال: “لابد من وضع خارطة إستراتيجية تبنى على تطبيق الاتفاقيات، والالتزام بها وتبنى على تطبيق القانون والالتزام به، وعلى الوعي بأننا شعب واحد في بلدين وعلينا تجاوز كل المحن”.
وأضاف عبد الكبير:” الحلول تبنى أيضا على أن الدولتين تكونان قويتان وتطبيق القانون فيهما قوي”.
وتابع: “أيضا مهم أن تكون هناك سلطة قرار واحدة وقوية واستقلالية القرار الوطني لأننا نرى أن أطرافا خارجية (لم يسمها) تتدخل في تونس وفي ليبيا أكثر باعتبار عدم الاستقرار السياسي فيهما”.
ووفق عبد الكبير فإن “التحولات والتغيرات الدولية تلقي بظلالها على المعبر والحلول مرتبطة بأمور أكثر من المعبر فهي مرتبطة أكثر بنجاح المسار السياسي والأمني والاقتصادي في ليبيا التي تعيش تعثرات كبيرة تلقي بظلالها على المعبر وعلى نجاح أي خطة قد تبنى مع الطرف التونسي”.
وتتصارع في ليبيا حكومتان، إحداهما معترف بها دوليا، وهي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ومقرها العاصمة طرابلس (غرب)، وتدير منها كامل غرب البلاد.
أما الحكومة الأخرى فعيّنها مجلس النواب مطلع 2022، ويترأسها حاليا أسامة حماد، ومقرها بنغازي (شرق)، وتدير منها كامل شرق البلاد ومعظم مدن الجنوب.
ويأمل الليبيون أن تؤدي انتخابات رئاسية وبرلمانية طال انتظارها منذ سنوات إلى وضع حد للصراعات السياسية والمسلحة وإنهاء الفترات الانتقالية المتواصلة منذ الإطاحة بنظام حكم معمر القذافي (1969-2011).
تعليقات الزوار
لا تعليقات