وجه العاهل المغربي الملك محمد السادس بتقديم المساعدة لإسبانيا على إثر فيضانات عارمة اجتاحت جنوب وشرق المملكة وتسببت في وفاة 72 شخصا حسب حصيلة أولية، بينما أعلنت مدريد الحداد لمدة ثلاثة أيام.
وخلفت الفيضانات الناجمة عن تساقط أمطار غزيرة حالة من الفوضى في فالنسيا ومنطقة الأندلس التي ما زالت بعض أجزائها معزولا عن سائر البلاد، وفق هيئة تنسيق أعمال الإنقاذ.
وأجرى وزير الداخلية المغربي عبدالوافي لفتيت اتصالا هاتفيا مع نظيره الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا أكد خلاله أن "الرباط على أتم الاستعداد لإرسال فرق إغاثة وتقديم كل المساعدة الضرورية لإسبانيا من أجل مواجهة هذه الكارثة الطبيعية"، كما تقدم بتعازيه لعائلات الضحايا.
ويرتبط المغرب بعلاقات وثيقة مع إسبانيا، بينما دشن البلدان العام الماضي شراكة إستراتيجية بعد دعم مدريد لسيادة المغرب على صحرائه وتأييدها لمقترح الحكم الذاتي تحت سيادة المملكة كحل وحيد لإنهاء النزاع المفتعل.
ولا تعتبر توجيهات العاهل المغربي بدعم مدريد في مواجهة هذه الكارثة، استثناء في سياق حرصه على تعزيز مبدأ التضامن إقليميا ودوليا في مثل هذه الأزمات الناجمة عن التغير المناخي، خاصة مع الجارة التي يتعاون معها في أكثر من ملف.
وكانت مدريد سباقة في تقديم الدعم للمغرب في مواجهة زلزال الحوز العام الماضي وحرائق الغابات، كما سبق للرباط بدورها أن قدمت الدعم لمدريد في مواجهة كوارث طبيعية.
ووصفت تقارير دولية العلاقات بين المغرب وإسبانيا بـ"النموذجية"، في ظل التناغم في مواقف البلدين تجاه أغلب القضايا وحرصهما على مزيد تعزيز التنسيق والتشاور.
وتجتاح أمطار غزيرة ورياح عاتية جنوب إسبانيا وشرقها منذ مطلع الأسبوع بعد تشكل العاصفة فوق البحر المتوسط، ما أدى إلى فيضانات قاتلة في فالنسيا ومنطقة الأندلس.
وأعلنت الهيئة الرسمية التي تنسق عمليات الإغاثة بعد ظهر اليوم الأربعاء "في الوقت الحالي وصل عدد القتلى إلى 70 شخصا" في منطقة فالنسيا. ويضاف إلى هذه الحصيلة قتيلان أعلن عنهما حاكم منطقة كاستيا لا مانشا المجاورة.
ويخشى ارتفاع عدد القتلى مع مواصلة رجال الإنقاذ البحث عن عدد كبير من المفقودين. وقالت ماريا هيرنانديز (70 عاما) "خفت على حياتي. لم يتوقف المطر عن الهطول وفاض النهر. الحمد لله أنني على قيد الحياة". وتعيش المرأة على بعد نحو ستين كيلومترا غرب فالنسيا في بلدة أوتييل التي اجتاحتها المياه والسيول الموحلة الثلاثاء.
وتوقف هطول الأمطار الأربعاء في أوتييل ومنطقة فالنسيا، لكن الأمطار التي هطلت غزيرة في اليوم السابق وفي الليل أغرقت العديد من البلدات التي ما زالت معزولة عن العالم وتسببت بحالة من الفوضى، بينما ما زال عشرات الآلاف من السكان بدون كهرباء.
وعلى الرغم من توقع هطول أمطار غزيرة جدا الثلاثاء وإصدار الهيئة الوطنية للأرصاد الجوية إنذارا أحمر، إلا أنها كانت عنيفة على نحو غير متوقع للغاية لدرجة لم يتمكن معها عدد كبير من السكان من الاحتماء.
وفي تشيفا، وهي قرية صغيرة نائية في فالنسيا، سقط 491 لترا من المياه لكل متر مربع في ثماني ساعات فقط، أي ما يعادل سنة من هطول الأمطار، وفق هيئة الأرصاد الوطنية.
وتساءلت بعض الصحف ما إذا كانت الحكومة الإقليمية انتظرت طويلا قبل أن تطلب من السكان الاحتماء.
وأعلنت الحكومة حدادا وطنيًا لثلاثة أيام بدءا من الخميس، وهو اليوم الذي يعتزم فيه رئيس الوزراء بيدرو سانشيز تفقد المناطق المتضررة.
وقال سانشيز في كلمة متلفزة قصيرة من قصر مونكلوا "لن نترككم وحدكم ... لا يمكننا أن نعتبر أن هذه الحلقة المدمرة قد انتهت"، داعياً السكان إلى اتباع توجيهات السلطات وتوخي الحذر الشديد وتجنب السفر غير الضروري.
وعبر رئيس الحكومة عن تضامنه مع أسر الضحايا والمنكوبين متحدثا عن "بلدات غمرتها المياه، وطرق مقطوعة، وجسور انهارت بسبب قوة المياه".
وفي بروكسل، أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين أن الاتحاد الأوروبي "مستعد لمساعدة إسبانيا". كما عبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من الرباط عن "تضامن" بلاده وأبدى استعداد بلاده للمساعدة في مجال الاغاثة.
ووصف الملك فيليبي السادس في خطاب قصير حصيلة الفيضانات بأنها "صادمة" وقالت وزيرة الدفاع مارغريتا رويس للصحافيين إن "الوضع مروِّع"، مضيفة أن "ألف جندي، تساندهم طائرات هليكوبتر، متواجدون في المنطقة للمساعدة في جهود الإنقاذ".
ومن بين البلدات الأكثر تضررا ورد اسم ألكدية، في منطقة فالنسيا، وليتور، في مقاطعة البسيط المجاورة في منطقة كاستيا لا مانشا، حيث أعلن عن فقدان أثر ستة أشخاص بعد أن اجتاحت الفيضانات المباغتة الشوارع وجرفت السيارات وأغرقت المباني.
ووصف كونسويلو تارازونا، رئيس بلدية هورنو دي ألسيدو، وهي بلدة تقع في ضواحي فالنسيا، متحدثا للتلفزيون العام الوضع بأنه "رهيب ... لم أرَ مثل هذا من قبل". وأضاف أن المياه ارتفعت إلى مستويات عالية. وقال "غمرتنا المياه فجأة، ولم نتمكن من تحذير الجيران".
وأعلن مجلس مدينة فالنسيا أن جميع المدارس ستظل مغلقة الأربعاء وكذلك الحدائق العامة، كما تم إلغاء جميع الأحداث الرياضية.
وقالت شركة تشغيل المطارات الإسبانية إنه تم تحويل الرحلات التي كان من المقرر أن تهبط في مطار فالنسيا إلى مدن أخرى في إسبانيا وإلغاء الرحلات التي كان من المقرر أن تغادره.
وأوقفت شركة "أديف" المشغلة للسكك الحديد الوطنية، القطارات عالية السرعة بين مدريد وفالنسيا جراء تأثيرات العاصفة على النقاط الرئيسية لشبكة السكك الحديد.
وخرج قطار فائق السرعة يحمل 276 راكبا عن مساره بعد ظهر الثلاثاء بسبب سوء الأحوال الجوية في منطقة الأندلس الجنوبية، لكن لم يصب أحد، وفقا للحكومة الإقليمية.
وتشهد منطقة فالنسيا وساحل البحر الأبيض المتوسط الإسباني بشكل عام في فصل الخريف الظاهرة الجوية المسماة "غوتا فريا" (النقطة البارد) وهو منخفض جوي منعزل على ارتفاعات عالية يتسبب بهطول أمطار مفاجئة وعنيفة جدا تستمر أحيانا لعدة أيام.
ويحذر العلماء من أن الظواهر الجوية المتطرفة مثل موجات الحر والعواصف صارت أكثر تواترا وأطول أمدا وأكثر شدة بسبب تغير المناخ.
ويؤكد جيس نيومان، أستاذ الهيدرولوجيا في جامعة ريدينغ بالمملكة المتحدة، في رسالة عقب فيها على ما جرى "هذه الفيضانات المفاجئة في إسبانيا هي تذكير رهيب آخر بتغير المناخ وطبيعته الفوضوية". وحذر من أن هذه الكوارث يمكن أن "تؤثر على أي شخص في أي مكان... يجدر بنا أن نفكر جديا في تحسين تصميم مدننا وبلداتنا".
تعليقات الزوار
بلد المساعدة
المغرب دائما ما يطلب مساعدة الدول التي تصاب بالكوارث الطبيعية أو الحرائق. و لقد عرض المساعدة على الجزائر الاطفاء لما كانت النيران تلتهم غابات و سكان منطقة القبائل إلا أن تبون رفض و فضل موت الشعب على أن يتلقى المساعدة من المغرب.