يرى جون بي ويلرتون أستاذ العلوم السياسية بكلية الحكم (الحوكمة) والسياسة العامة بجامعة أريزونا الأمريكية أن المواقف اليائسة يمكن أن تؤدي إلى تصرفات يائسة، وتوغل أوكرانيا في منطقة كورسك أوبلاست الروسية في السادس من آب/أغسطس الجاري كان خطوة جريئة، ومع ذلك خطوة يائسة، فاجأت روسيا والعالم.
ونظرا لقيام أوكرانيا بدخول منطقة منخفضة السكان وليست ذات أي أهمية استراتيجية فإنها أعدت قوة قتالية مدربة جيدا ومجهزة تماما ربما بلغ قوامها 15 ألف جندي واجهت في البداية مقاومة ضئيلة من حرس الحدود الروس، لكن سرعان ما أرسلت روسيا قواتها، وخلال أسبوع توقفت المبادرة الأوكرانية وسعت كييف جاهدة لتبرير خطوتها المفاجئة، حيث لم يكن في حوزتها سوى نحو400 ميل مربع من الأراضي التي استولت عليها لإظهار نتيجة جهدها.
ويقول ويلرتون في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية إنه لو كانت القوات الأوكرانية نجحت في الاستيلاء على محطة الطاقة النووية في كورسك – توقع كثير من المراقبين أنه لا بد أن يكون ذلك أحد الأهداف المقصودة – ربما كان من المحتمل تبرير مخاطر التوغل. وعلى أي حال، لم تقترب القوات الأوكرانية كثيرا من المحطة، ووفقا للأخبار الحالية فإن القوات الأوكرانية تورطت في قتال عنيف.
ورغم أن ضباب الحرب يجعل من الصعب تقييم كيفية سير الأمور، تتزايد الأدلة التي تفيد بأن أوكرانيا تتكبد خسائر فادحة في المعدات، والذخيرة- والأهم من ذلك في الأفراد.
وأضاف ويلرتون أن القوات الروسية المكرسة للقتال في كورسك زاد عددها بدرجة كبيرة، وأنه ليس هناك أي دليل على أنه تم سحب هذه القوات من جبهات القتال الشرقية. وفي المقابل، عززت أوكرانيا بعض أفضل جنود الاحتياط المعنيين بعملية كورسك بقوات تم سحبها من الشرق.
وعموما، يسفر القتال المكثف عن خسائر كبيرة في الأرواح بالنسبة لطرفي معركة كورسك، بينما تقوم القوات الروسية في دونباس بتسريع تقدمها الطاحن. وتتجه مدن مهمة محصنة مثل بوكروسك وتورياسك نحو حافة السقوط في أيدي القوات الروسية. وتتجه روسيا نحو نجاح حاسم في إقليم دونباس إذا لم تستطع القوات الأوكرانية الصمود في مقاومتها.
ويرى ويلرتون أن أوكرانيا أقدمت على مقامرة عالية المخاطر، حيث كرست الكثير من الموارد الغالية في عملية كورسك، وربما كان النجاح سيؤدي إلى تغيير واقع القتال طويل الأمد في الشرق، والذي يحقق ببطء مكاسب إقليمية لروسيا. وفي الوقت الحالي، ليست هناك أسلحة جديدة لدى أوكرانيا، ولا تصل إليها أي مساعدات خارجية. وليست هناك تغييرات في القيادة العسكرية، وليست هناك تغييرات في الأساليب العسكرية غيرت منطق القتال المكثف في الشرق، حيث ليس لدى أوكرانيا ببساطة القوات التي تضاهي القوة العسكرية الروسية المتنامية.
وأوضح ويلرتون أنه حسب الأمور السائدة الآن، لا يبدو أن مبادرة كورسك الجريئة كانت فكرة جيدة، في ظل ما يبدو من أن المبادرة سوف تفشل في نهاية المطاف، حيث يعتقد الكثيرون أن هجوم كورسك يقوض القضية الأوكرانية فقط في حقيقة الأمر، حيث يتم استنفاد الموارد الغالية المتمثلة بوجه خاص في الأفراد والمعدات في جبهة أخرى، بينما الوضع الأوكراني المحاصر على الجبهات الشرقية متوتر بالفعل إلى أقصى حد.
وتتطلع أوكرانيا إلى تراجع طويل الأمد، حيث إن وضعها الذي يزداد سوءا على أرض المعركة يصاحبه الوضع الاقتصادي للبلاد الذي يزداد سوءا، ناهيك عن ضعف دعم الأصدقاء الغربيين.
واختتم ويلرتون تقريره بالقول إنه “ليس بوسع أوكرانيا القيام بهجوم متقدم فعال ضد روسيا. ففي وقت ما في القريب العاجل، سوف تستولي القوات الروسية على دونباس. وسوف يتعين على مجموعة دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) أن تقرر الخطوات التي هي على استعداد لاتخاذها للدفاع عن أوكرانيا. ولن يمكن الحيلولة دون تعرض أوكرانيا لهزيمة حتمية إلا بمشاركة قوات الناتو مباشرة في الحرب. فهل سيتخذ الناتو مثل هذه الخطوة، وإلى أين قد تؤدي هذه الخطوة؟ هناك خيارات مهمة في الانتظار”.
تعليقات الزوار
لا تعليقات