نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريراً أعدّه سون إنجيل راسموسين ولورنس نورمان، قالا فيه إن إيران تحدّت الولايات المتحدة لتصبح قوة دولية. ورغم عقود من الضغوط الغربية لا تزال طهران تمثل تهديداً لمصالح الولايات المتحدة، بسبب علاقاتها مع روسيا والصين.
وجاء في التقرير أن الفائز في انتخابات إيران الرئاسية سيرث انقساماً داخلياً، واقتصاداً أضعفته العقوبات الأمريكية المستمرة، لكنه سيرث أيضاً مظاهر قوة، وهي أن لإيران تأثيراً متزايداً على المسرح الدولي أكثر مما كان الحال قبل عقود.
ففي ظل المرشد الأعلى للجمهورية، آية الله علي خامنئي، أحبطت إيران عقوداً من الضغوط الأمريكية، وخرجت من سنوات العزلة عبْر انحيازها لكل من الصين وروسيا، وفي الوقت نفسه زادت من مستوى المواجهة مع واشنطن.
ولا يزال اقتصاد إيران ضعيفاً، إلا أن صفقات بيع النفط للصين، والأسلحة لروسيا، قدمت منافع مالية ودبلوماسية. كما استغلت إيران عقوداً من الأخطاء الأمريكية في الشرق الأوسط، والاختلافات الكبيرة في سياسات الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض.
وتعلق الصحيفة بأن إيران تمثل اليوم تهديداً كبيراً على المصالح الأمريكية وحلفائها في الشرق الأوسط، أكثر من أي لحظة منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
وتقول الصحيفة إن بصمات إيران العسكرية وصلت مرحلة أوسع وأعمق وأكثر من أي وقت مضى. فقد ضربت الجماعات المؤيدة لإيران المنشآت النفطية السعودية، وشلّت حركة الملاحة التجارية في البحر الأحمر، وتهيمن على السياسة في لبنان والعراق وسوريا، وشنّت أكثر الهجمات دماراً على إسرائيل منذ إنشائها، عندما قامت “حماس” بشن هجومها، في تشرين الأول/أكتوبر، بل وشنّت إيران أول هجوم مباشر على إسرائيل في نيسان/أبريل. وكذا لاحقت المعارضين لها في الدول الخارج، حسب مسؤولين غربيين.
وستظل تداعيات صفقات المسيّرات لروسيا في حرب أوكرانيا، وتوسّع الجماعات الموالية لإيران في المنطقة، وزيادة تطوير الملف النووي، قضايا ملحة، بعيداً عمن سيفوز في جولة الإعادة الرئاسية الإيرانية، التي ستعقد في 5 تموز/يوليو، أو نتائج الانتخابات الأمريكية، في تشرين الثاني/نوفمبر.
وتقول سوزان مالوني، مديرة برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكينغز: “في أكثر من ملمح، إيران قوية، وأكثر تأثيراً وخطورة، وأكثر تهديداً مما كانت عليه قبل 45 عاماً”. إلا أن السياسة الخارجية جاءت بثمن باهظ، وعلى حساب اقتصادها المتأخر عن جاراتها في دول الخليج، مثل الإمارات العربية المتحدة والسعودية، كما خسر النظام الكثيرَ من الدعم الذي دفعه للسلطة، قبل عقود، وأدى لتظاهرات واسعة عادة ما تواجه بقمع.
ويقول إريك بريرور، المدير السابق لمجلس الأمن القومي: “في كل مرة تسنح فرصة لخامنئي الخروج من العزلة يزيد من قمعه”.
وترى الصحيفة أن قوة إيران المتزايدة هي علامة عن فشل الغرب. ومنذ فشل جيمي كارتر في احتواء إيران، تحوّلت هذه إلى الحوت الأبيض الكبير لدى صنّاع السياسة الغربية. فلم تعد أداة الدبلوماسية لدى الغرب، ولا العقوبات، ناجعة لعزل طهران.
فقد ردّت الأخيرة بتعميق علاقاتها مع محور روسيا- الصين، بشكل عقّد الدبلوماسية أكثر، حسب رأي المحلّلين. وفي خارج الشرق الأوسط ساعدت صناعة المسيّرات الإيرانية روسيا في حربها بأوكرانيا.
ويقول سيد حسين موساويان، المسؤول السابق في السياسة الخارجية، والباحث حالياً في جامعة برنستون، إن العقوبات الغربية كلّفت مليارات الدولارات، و”لكن لأي هدف”، و”إيران مؤثرة بشكل كبير في المنطقة، وأكثر من أي وقت مضى، وسيطرت الصين على الاقتصاد الإيراني، وأصبحت إيران قريبة من روسيا”.
ولأكثر من عقدين ظلّت السياسة الغربية من إيران متأرجحة، وحوّلَ الرؤساء الأمريكيون التوازن، مراراً وتكراراً، من الدبلوماسية إلى القوة، التواصل أو محاولة العزلة.
وكمثال، عندما غزت الولايات المتحدة أفغانستان، عام 2001، تلقّت الدعم العسكري والاستخباراتي من إيران للإطاحة بنظام طالبان. وبعد عدة أشهر، صنّف جورج دبليو بوش إيران ضمن محور الشر، إلى جانب العراق وكوريا الشمالية.
ومن جانبها، تبنّت إيران، وخلال العقود الماضية، إستراتيجية “الدفاع المتقدم” لردع الهجمات من الأعداء، وبناء شبكة من الجماعات المسلحة الموالية لها.
وساهمت السياسات الأمريكية، أحياناً، وبطريقة غير مقصودة، بقوة إيران. ففي عام 2003، أطاحت بنظام صدام حسين، حيث خلّصت طهران من عدو لدود قريباً من حدودها.
وأدى فشل واشنطن بتحقيق الاستقرار في عراق ما بعد الحرب لتقوية التأثير الإيراني. وبعد التخلص من نظام طالبان في أفغانستان، عام 2001، كانت القوة الأمريكية بالمنطقة ضاربة، إلا أن طهران، وبعد أشهر من غزو العراق، عام 2003، أوقفت كل عملها على تطوير ملفها النووي، ذلك أن مبرر إدارة بوش لغزو العراق هو مزاعم امتلاكه أسلحة دمار شامل. وبدأت، كما يقول مسؤولون أمريكيون، مفاوضات استمرت عشرين عاماً بشأن ملفها النووي. إلا أن غزو العراق كان حلقة في تراجع حظوظ الأمريكيين بشكل نفع إيران. فقد زاد تأثيرها السياسي العسكري، وبخاصة من خلال الجماعات الوكيلة عنها. كما أن الحرب المستعصية، التي قتل فيها 4,500 جندي أمريكي، ومئات الآلاف من العراقيين، أدّت لتحوّل موقف الرأي العام الأمريكي من الحرب في المنطقة.
ولم تحقق إيران بعد هدفها النهائي بإخراج القوات الأمريكية من المنطقة، ولا تزال أمريكا هي عرّاب القوة الرئيسي في الشرق الأوسط. إلا أن إيران وجدت بتحالفها مع روسيا والصين قوتين تشتركان معها في هدف إضعاف القوة الأمريكية في العالم.
وبَنَتْ إيران نفوذها الإقليمي في وقت حافظت فيه على الخطوط الحمر وتجنّب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة. وهذا راجع إلى أن القرارات المصيرية بيد مؤسسات غير منتخبة، ممثلة بمكتب المرشد خامنئي، و”الحرس الثوري”، الذي يهمين على الاقتصاد والدفاع. وبدا تخطيط إيران على المدى البعيد في سياساتها المحلية والدفاع عن حكم رجال الدين. وتقوم وحدة سرية، ظهرت قبل عدة سنوات في داخل “الحرس الثوري” اسمها “مقرات بقية الله”، ومهمة هذه المقرات هي مهاجمة العلمانية، والتأثيرات الغربية الضارة، حسب تقرير لمنظمة أمريكية اسمها “متحدون ضد إيران النووية”.
وتتولى الوحدات، أو المقرات، التي يديرها قائد سابق في “الحرس الثوري”، مهمة فرض الزي الإسلامي، وهندسة انتخابات، من بين عدة واجبات. وتهدف لتعبئة جماعاتها من أفراد المجتمع المدني، وعددهم 4 ملايين شاب إيراني لفرض السياسات الثقافية والأيديولوجية لرجال الدين، وبدون الرجوع إلى مؤسسات الحكومة المنتخبة.
ولكن السياسة الإيرانية تظلّ منقسمة بين المعسكر الإصلاحي المؤيد للتواصل مع الغرب، والمعسكر المتشدد الذي يرى أن مصالح إيران هي بتحالف مع روسيا والصين.
وبرز هذا الانقسام في الانتخابات الأخيرة، حيث ستكون جولة الإعادة بين الإصلاحي مسعود بزشكيان والمتشدد سعيد جليلي.
ويقدم المشروع النووي الإيراني صورة عن الطريقة التي تكيّفت فيها طهران مع مواقف الإدارة الأمريكية المتناقضة، ففي عهد إدارة باراك أوباما وقّعت طهران اتفاقية، في 2015، للحدّ من نشاطاتها النووية مقابل رفع العقوبات، إلا أن المعارضين للاتفاق رأوا أنه لا ينهي الخطر النووي الإيراني، ولهذا دفعوا إدارة بايدن للخروج منه عام 2018.
وظهر التأثير الإيراني في سوريا، حيث دعمت فيها نظام بشار الأسد ضد التظاهرات السلمية. واستفادت من الثورة السورية لبناء ممر بري عبر العراق إلى سوريا ولبنان، استخدمته لنقل الأسلحة والجنود.
وفي سوريا وثّقت إيران علاقاتها مع روسيا، التي سارعت لنجدة الأسد، عام 2015. ونمت العلاقة أكثر أثناء الحرب الأوكرانية وصفقات المسيّرات لروسيا.
تعليقات الزوار
لا تعليقات