بعد أربعة أعوام على انتهاء الحرب الدامية حول السيطرة على طرابلس بين القوات الموالية لحكومة الوحدة الوطنية وقوات المشير خليفة حفتر التي قدمت من الشرق، لا يزال الليبيون يواجهون خطراً يهدد حياتهم بشكل يومي ويتمثّل بمخلّفات الحرب من ذخائر وألغام غير منفجرة، مع تقاعس الدولة عن محاولة إزالتها.
وقتل كثيرون في انفجار مثل هذه الذخائر في ضواحي العاصمة بعد أن عادوا الى منازلهم إثر انتهاء الحرب. بينهم الطفل محمد صالح فرحات (10 أعوام) الذي خرج ذات يوم الساعة 11 بالتوقيت المحلي، رفقة اثنين من أصدقائه ليلعب في الباحة الخلفية لمنزله. والتقطوا جسماً معدنياً من حائط المنزل قاموا بطرقه على الأرض لبضع دقائق قبل إلقائه بعيدا، فانفجر لحظة ارتطامه بالأرض.
سقط محمد مضرّجا بالدماء، وركض صديقاه هاربين من دون معرفة ما الذي حدث. كانا يجريان والدماء تسيل من نقاط مختلفة من جسديهما الى أن التقى بهما شخص نقلهما إلى المستشفى.
ويروي همّام (12 عاما) من قسم إيواء الأطفال في مصحةّ بطرابلس حيث يتلقّى العلاج، لوكالة فرانس برس، “وجدنا قطعة معدنية في حائط المزرعة. ظننا أنها قطعة خردة، الى أن مرّ بنا جار لنا وطلب منا رميها لأنها قذيفة. رميناها بخوف، وبعد ثوان، سمعنا انفجارا قويا وسقطنا على الأرض”.
ويضيف همّام الذي يحمل ضمادات في أماكن مختلفة من جسمه، وقد تسبّبت شظية بتضرّر أعصاب قدميه، “لم نفهم أنها ذخيرة سلاح”. ويتابع بحزن “أنا آسف، لن نلعب هناك مرة أخرى”. ويرقد قربه شقيقه ليث الذي يصغره بعام، وهو يتلقى العلاج من إصابة طفيفة. ويقول بدوره “لم نكن نتوقع، كنا نلعب فقط”.
وبين نيسان/أبريل 2019 وحزيران/يونيو 2020، شنّ حفتر الرجل القوي في شرق وجنوب ليبيا، هجوما عسكرياً للسيطرة على العاصمة الليبية، لكن قواته انسحبت من دون تحقيق هدفها.
وبحسب تقرير لوزارة الخارجية الأميركية، قامت قوات مجموعة “فاغنر” المدعومة من الكرملين والداعمة لقوات حفتر في الحرب بزرع ألغام أرضية أثناء انسحابها من ضواحي طرابلس. وتنتشر هذه المخلفات في مناطق جنوب طرابلس يقطنها أكثر من نصف مليون شخص من أصل ثلاثة ملايين هو العدد الإجمالي لسكان العاصمة.
ويرى صالح فرحات (42 عاما)، والد محمد، أن المنطقة التي يقطنون فيها باتت “منكوبة”، مطالبا بتكثيف الجهود لتنظيف رقعة جغرافية سكانية واسعة من مخلّفات الحرب والألغام التي تهدّد سكان جنوب طرابلس.
ويقول الأب لخمسة أطفال من باحة منزله حيث وقع الانفجار، ”شهدت هذه المنطقة اشتباكات ومعارك عنيفة منذ العام 2011، ونسمع بين الحين والآخر عن تعرّض أحد الجيران لبتر طرف نتيجة انفجار مفاجئ”.
ويتابع بحسرة “لم تقم الدولة بالجهد الكافي لنزع ورفع الألغام والمخلّفات.. أنا أب مكسور لدي ابن وحيد وأربع بنات أشعر بالحزن العميق لإصابة ابني الخطيرة”.
ومنذ سقوط نظام الزعيم معمر القذافي في 2011، تشهد ليبيا فوضى عارمة وتحكمها حكومتان واحد في الغرب برئاسة عبد الحميد الدبيبة وأخرى في الشرق مدعومة من البرلمان الليبي وخليفة حفتر.
وسمحت إدارة المصحة الخاصة لفرانس برس بالدخول الى قسم العناية الفائقة حيث يتواجد محمد الذي يبدو في حالة ذهول وصدمة، بينما رأسه مغطّى بلفافة طبية بيضاء. ويقول الفريق الطبي المتابع لحالة محمد إن شظايا عدة أصابت جسده، لكن الشظية الأخطر استقرّت في دماغه، وحالته مستقرة الآن، لكنه سيحتاج إلى برنامج علاجي طويل ومكثّف.
وناشد عضو بلدية أبو سليم في منطقة طرابلس الصديق العباسي “جميع الأطراف المعنية بتوفير المعدّات التقنية الحديثة لإعادة مسح المنطقة المنكوبة من مخلّفات الحرب، لأن الأمر يجعل السكان خائفين وحياتهم في خطر”.
وأكد العباسي أن “أبو سليم من أكثر المناطق التي تضرّرت في الحرب الأخيرة، إذ تسبّبت الاشتباكات العنيفة في انتشار واسع لمخلفات الحرب”. وأبو سليم هي إحدى بلديات طرابلس الست، وتقع في الجزء الجنوبي للعاصمة، وشهدت عمليات عسكرية مكثفة في الحرب الأخيرة.
وأعلن المركز الليبي للأعمال المتعلقة بالألغام في مطلع أيار/مايو عن خطط مشتركة لتطوير مكافحة الألغام بالتعاون مع مركز جنيف الدولي لإزالة الألغام لأغراض إنسانية، وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وسبع منظمات غير حكومية.
ووفقا للأمم المتحدة، نجحت ليبيا في تنظيف حوالي 36 بالمئة من الأراضي الخطرة التي تمّ تحديدها، إلا أن حوالي 436 مليون متر مربع لا تزال “ملوثة.” وأصيب أو قُتل أكثر من 400 شخص في حوادث مرتبطة بذخائر غير منفجرة، منذ انتهاء الحرب. وسجّلت 35 من تلك الحوادث العام الماضي فقط، وكان من بين ضحاياها 26 طفلا.
واعتبرت مديرة دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في ليبيا فاطمة زريق أن هذه الأرقام “لا تسلّط الضوء على التحدّيات الخطيرة التي نواجهها فحسب، بل تؤكد أيضا على الأهمية الحيوية للشراكات الدولية يمكننا تعزيز قدرات قطاع الأعمال المتعلقة بالألغام، وضمان مستقبل أكثر أمانًا للجميع”.
وأضافت أن تطوير استراتيجية ليبيا لمكافحة الألغام سيفضي في نهاية المطاف إلى “تعظيم تأثير جهود الأعمال المتعلقة بالألغام وتقليل المخاطر التي تتعرض لها المجتمعات المحلية”.
ووفقا لمسؤول بوزارة الدفاع الليبية، فإن الاستقرار السياسي وحده من سيسمح في نزع كل مخلفات الحرب والألغام. ويقول المسؤول “نعتقد أن سلطة تنفيذية موحدة تستطيع خلال فترة تتراوح بين 5 إلى 10 أعوام من الانتهاء من عمليات تطهير كل الأراضي الليبية من مخلفات الحرب”.
تعليقات الزوار
لا تعليقات