يُنهي خروج فرنسا مرغمة من النيجر بعد إقصائها كذلك من مالي وبوركينا فاسو حقبة النموذج الغربي في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، فيما يمهّد الطريق أمام مواجهة غير واضحة المعالم بين الأنظمة العسكرية والتنظيمات الجهادية، في وقت تسعى فيه روسيا إلى ملء الفراغ بعد أن عززت نفوذها في المنطقة من بوابة الشراكات الاقتصادية والاتفاقيات العسكرية.
وغادر آخر الجنود الفرنسيين الـ1500 الذين كانوا منتشرين في النيجر البلاد اليوم الجمعة، في ختام تجاذب طويل بين باريس والمجلس العسكري في نيامي أعقب انقلاب يوليو/تموز الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم. وإضافة إلى الانسحاب العسكري، أكدت مصادر دبلوماسية فرنسية أن باريس قررت إغلاق سفارتها في النيجر.
وقالت إنه "على إثر الهجوم ضد سفارتنا في 30 يوليو/تموز الماضي وبعد التضييق في محيط مقرنا من قبل القوات النيجرية، بدأنا أواخر سبتمبر/أيلول بترحيل الجزء الأساسي من جهازنا الدبلوماسي".
وقال الأستاذ في جامعة الأخوين في المغرب جليل لوناس إن خروج العسكريين مؤشر على "فشل، هو نهاية الانخراط الفرنسي في الساحل"،مضيفا "هذه خاتمة التدخلات الكبيرة".
ويعود التواجد الفرنسي إلى العام 2013 ونشرت باريس ما يصل إلى 5500 عسكري في إطار عملية "برخان" بالتعاون مع القوات المسلحة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
وانضمت إليها قوات خاصة أوروبية ونالت دعما استخباراتيا ولوجستيا من واشنطن انطلاقا من قاعدة أميركية في نيامي، لكن الأنظمة العسكرية التي انبثقت بعد انقلابات عسكرية متتالية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر طلبت مغادرة الفرنسيين، ما ينعكس تراجعا كبيرا للنفوذ الغربي في هذه المنطقة.
وتتطلب عمليات مكافحة الإرهاب اتفاقات ثنائية خصوصا مع ألمانيا وإيطاليا.وقال الباحث في المعهد الألماني للعلاقات الدولية والأمن دينيس تول إنه بالنسبة الى الأوروبيين "الانخراط العسكري يُختصر في التعاون العسكري والأمني، مرورا بالتجهيزات والتدريبات".
وسأل "هل يريد الأوروبيون وهل يرغبون بإقامة علاقات مع الأنظمة العسكرية القائمة؟ لا إجماع على ذلك"، أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فالمهام التي تمّت تأديتها على مدى الأعوام الماضية ستكون موضع مراجعة.
وأوضح الباحث في "14 نورث ستراتيجيز" مايكل شوركين أن "غالبية الجهود الأميركية في النيجر كانت لدعم ما تقوم به فرنسا".
ومن منظور قانوني، لا يمكن للولايات المتحدة التعاون أمنيا مع أنظمة عسكرية. وفي حين لم تتخذ واشنطن بعد قرارا بإغلاق قاعدة الطائرات المسيّرة العائدة لها في النيجر وسحب جنودها الـ1500 المنتشرين فيها، فإن "الفائدة من هذه المساعدة ستكون ضعيفة ولن تكون في أي حال من الأحوال بدلا لتلك التي كانت تقدّمها فرنسا".
وفي ظل ذلك، ستصبح روسيا الطرف الخارجي الوحيد إذ أن مجموعة فاغنر المسلحة المتواجدة في مالي باتت هدفا لعمليات من المجموعات الجهادية.
وتجري المجموعة الروسية بدورها عملية إعادة هيكلة منذ تمرّدها الفاشل على القيادة العسكرية في موسكو في يونيو/حزيران ومقتل زعيمها يفغيني بريغوجين في تحطم طائرة قرب العاصمة الروسية في أغسطس/آب.
وتحافظ روسيا على تواجدها الميداني في أفريقيا ويتواجد عشرات المدرّبين العسكريين الروس في واغادوغو، على رغم أن السلطات لا تؤكد ذلك رسميا. كذلك، تمّ مؤخرا توقيع اتفاق شراكة روسي - نيجيري لم تكشف تفاصيله.
واعتبر لو أوزبورن من منظمة "أول آيز أون فاغنر" غير الحكومية أن "الموقف الروسي هو أقرب إلى التحايل للحفاظ على المواقع"، مشيرا إلى أن موسكو "ليست في موقع مضمون وثابت".
ويشكك خبراء في نجاعة هذه المقاربة واستبعد لوناس أن تتمكن "فاغنر، مع بضع مئات من الرجال، من التأثير ما لم تقم الجيوش المحلية" بدور أساسي.
وإذ أشار إلى أن القتل يحلّ أينما حلّ عناصر فاغنر، اعتبر أن المجموعة "تكسب المال من مناجم الذهب وتنفّذ مهمات دعم من دون تكبّد خسائر مرتفعة. غدا في حال أصبح هذا الأمر غير ممكن سينسحبون، لكن في المقابل سيكونون قد تمكّنوا من إبعاد الغربيين".
وسيتحدد مستقبل المنطقة بناء على المواجهة بين تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية والأنظمة العسكرية التي أعلنت في سبتمبر/أيلول تشكيل "تحالف دول الساحل"، متعهدة من خلاله مكافحة الإرهاب والايفاء بـ"واجب المساعدة والاغاثة" ضد أي اعتداء.
وأبدى مدير مشروع الساحل في مجموعة الأزمات الدولية جان - إيرفيه جيزيكيل خشيته من إغفال الجوانب السياسية في عملية مكافحة الجهاديين في الساحل.
وأشار إلى أن أنظمة المنطقة "تستثمر كثيرا في الردّ العسكري على هذا التهديد. هذه كانت المشكلة على مدى العقود الماضية، وتزداد حدّة" حاليا.
ويمكن للمفاوضات مع الجهاديين أن تنتج بارقة أمل، وهو ما كان غير ممكن مع الغربيين. وأشار جيزيكيل الى أنه خلف الخطاب الصارم للأنظمة "يتم عمليا لحظ بعض الانفتاح هناك وهناك، بشكل غير رسمي"، مضيفا أنه في حال "اقتنعت الأنظمة بأن الحوار قد يكون وسيلة مكمّلة، ستكون في حوزتها أوراق" للمناورة.
وشدد على أنه إضافة إلى مبادرات وطنية ومحلية "يمكن توقع مفاوضات مشتركة مع الدول الأعضاء في تحالف الساحل. لكن ما زلنا بعيدين جدا عن ذلك".
تعليقات الزوار
لا تعليقات