أخبار عاجلة

مجلس المنافسة المغربي يكافِئ عصابة اخنوش للمحروقات على سرقة الشعب

أعلن مجلس المنافسة، عن تغريم 9 شركات تعمل في مجال توزيع المحروقات في المغرب، مبلغ 1,84 مليار درهم، كتسوية تصالحية تؤديها المؤسسات المعنية التي تنشط في مجال تموين وتخزين وتوزيع الغازوال والبنزين، إلى جانب المنظمة المهنية التي تنتمي إليها، وذلك بعدما ثبت تورطها في ممارسات محتملة منافية لقواعد المنافسة في سوق المحروقات.

المرجع في هذا القرار كان هو المؤاخذات المضمنة في بلاغ صادر عن المقرر العام لمجلس المنافسة، في 3 غشت من سنة 2023، تبعا للعناصر والاستنتاجات التي توصلت إليها مصالح التحقيق التابعة للمجلس، والتي خلصت إلى وجود حجج وقرائن تفيد ارتكاب الشركات المعنية بالمؤاخذات لأفعال منافية لقواعد المنافسة في السوق الوطنية للبنزين والغازوال.

ويمثل هذا الأمر اعترافا صريحا بخصوص تورط الشركات، التي تفادى مجلس المنافسة ذكر أسمائها في البلاغين، في تحقيق مكاسب غير مشروعة تُقتطع من جيوب المواطنين، الأمر الذي يحيلنا على مسار طويل لهذا الملف، الذي يرتبط بشكل مباشر باسم رئيس الحكومة عزيز أخنوش، باعتباره مالك شركة "أفريقيا"، الفاعل الأول في سوق المحروقات الوطنية.

والمثير للانتباه أن المبلغ الذي تحدث عنه بلاغ الأمس، يزيد قليلا عن عُشر ما سبق للبرلمان أن تحدث عنه، كأرباح إضافية حققتها شركات المحروقات ما بين نهاية 2015 وماي من سنة 2018، إثر دخول قرار تحرير أسعار البنزين والغازوال حيز التنفيذ، وذلك من خلال اللجنة البرلمانية الاستطاعية التي كان يترأسها عبد الله بوانو، رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية حاليا.

وبوانو هو الذي كان قد أكد أن إجمالي ما حققته تلك الشركات من أرباح إضافية، أو "غير أخلاقية"، على حد تعبير البرلماني السابق عن فدرالية اليسار الديمقراطي، عمر بلافريج، بلغ 7 مليارات درهم سنة 2016 وحدها و7 مليارات درهم سنة 2017 وحدها، أما الـ3 مليارات المتبقية فتهم ما تبقى من أشهر الفترة المشمولة بالمهمة البرلمانية الاستطلاعية، والتي شملت 2500 محطة لتوزيع البنزين والغازوال منتشرة في مختلف أنحاء المغرب.

لكن ما يتحدث عنه مجلس المنافسة، باعتباره السبب وراء معاقبة الشركات التسع، هو ما ورد في بلاغ غشت الماضي، الذي تحدث عن وقوعها في  مخالفة صريحة لمقتضيات المادة 6 من القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة كما تم تتميمه وتغييره، والتي تنص على أنه "تحظر الأعمال المدبرة أو الاتفاقيات أو الاتفاقات أو التحالفات الصريحة أو الضمنية كيفما كان شكلها وأيا كان سببها، عندما يكون الغرض منها أو يمكن أن تترتب عليها عرقلة المنافسة أو الحد منها أو تحريف سيرها في سوق ما".

وتحدثت الوثيقة نصا عن الحد من دخول السوق أو من الممارسة الحرة للمنافسة من لدن منشآت أخرى، وعرقلة تكوين الأسعار عن طريق الآليات الحرة للسوق بافتعال ارتفاعها أو انخفاضها، وحصر أو مراقبة الإنتاج أو المنافذ أو الاستثمارات أو التقدم التقني، وتقسيم الأسواق أو مصادر التموين أو الصفقات العمومية".

هذا الأمر يقودنا إلى "الزلزال" الذي تسبب فيه هذا الملف قبل نحو 3 سنوات ونصف، وذلك بعد توصل الديوان الملكي بتاريخ 23 يوليوز 2023، بمذكرة من الرئيس السابق لمجلس المنافسة، إدريس الكراوي، بخصوص "التواطؤات المحتملة لشركات المحروقات وتجمع النفطيين بالمغرب"، والذي ينص على فرض غرامة مالية تعادل 9 في المائة من رقم المعاملات السنوي المحقق بالمغرب، بالنسبة للموزعين الثلاثة الرائدين، وبمبلغ أقل بالنسبة لباقي الشركات.

وكانت هذه المرة الأولى التي يربط فيها المجلس، ضمنيا، الممارسات الاحتكارية بشركات "أفريقيا" و"فيفو إينيريجي" و"توتال إينيررجي"، باعتبارها أهم 3 مؤسسات فاعلة في مجال المحروقات بالمغرب، وفق ما ورد أيضا في تقرير للمجلس بخصوص ارتفاع أسعار المحروقات صدر في شتنبر من سنة 2022، لكن حالة الارتباك التي تلت هذه المذكرة، أدت إلى إقبارها والإطاحة برئيس مجلس المنافسة السابق من منصبه، ليعوضه الرئيس الحالي أحمد رحو.

فبتاريخ 28 يوليوز 2020، وحسب الديوان الملكي، توصل الملك بمذكرة ثانية من رئيس مجلس المنافسة أيضا تهم الموضوع ذاته، والتي تتحدث عن "قيمة الغرامات المفروضة" على الموزعين خلال الجلسة العامة ليوم 27 يوليوز، وتم هذه المرة تحديد المبلغ في حدود 8 في المائة من رقم المعاملات السنوي دون تمييز بين الشركات، ودون أي إشارة إلى توزيع الأصوات، وفي اليوم نفسه توصل العاهل المغربي بورقة صادرة عن العديد من أعضاء المجلس يبرزون من خلالها أن "تدبير هذا الملف اتسم بتجاوزات مسطرية وممارسات من طرف الرئيس مست جودة ونزاهة القرار الذي اتخذه المجلس".

ما يعنينا في كل ذلك، هو رقم 9 في المائة الذي فرضه المجلس، في الصيغة الأولى، كإجراء عقابي ضد الفاعلين الثلاثة الرئيسيين في مجال المحروقات بالمغرب، فهذا الرقم بعيد جدا عن قيمة الغرامة المفروضة حاليا على الشركات المعنية، والذي تم إعلانه بناء على "تسوية تصالحية" بناء على إبداء تلك الشركات ومنظمتها المهنية رغبتها في "الاستفادة من مسطرة التسوية".

وللوقوف على البون الشاسع بين الرقمين، نعود إلى رقم معاملات شركة "أفريقيا غاز" لسنة 2022، وهو 9,51 مليار درهم، ما يعني أن نسبة 9 في المائة منه تعادل تقريبا 856 مليون درهم، أما رقم معاملات "فيفو إينيرجي المغرب"، فبلغ سنة 2021 حوالي 13 مليار درهم، أي أن النسبة المذكورة تعادل 1,17 مليار درهم، في حين وصل رقم معاملات "توتال إينيرجي المغرب" إلى 19,7 مليار درهم العام الماضي، أي أن ما كان مفروضا عليها هو مبلغ 1,77 مليار درهم.

هذه الأرقام تعطينا صورة تقريبية عن واقع هذه الغرامة التصالحية، فإذا كان إجمالي ما ترتب على الشركات الثلاثة الكبرى فقط، إذا ما افترضنا تطبيق قرار مجلس المنافسة الأول الذي يحدد نسبة الغرامة في 9 في المائة، هو 3,8 مليارات درهم تقريبا، فإن 9 شركات مطالبة حاليا، وفق قرار أمس، بأداء 1,84 مليار دهم فقط، دون أن يكشف مجلس المنافسة عن الرقم المرجعي الذي على أساسه تم التفاوض، أي الرقم الغرامة الأصلية التي تم تخفيضها.

ولكي نقرب الأمر أكثر إلى الأذهان، نعود إلى المادة 37 من قانون حرية الأسعار والمنافسة، الذي لجأت إليه الشركات المعنية، ومبدئيا فإن هذا النص يعني بشكل مباشر إدانة تلك الشركات وإقرارها بالمنسوب إليها، لأنه ينص على ما يلي "إذا لم تعارض إحدى الهيئات أو المنشآت صحة المؤاخذات المبلغة إليها، جاز للمقرر العام أن يقترح على مجلس المنافسة، الذي يستمع إلى الأطراف ومندوب الحكومة دون إعداد تقرير مسبق، الحكم بالعقوبة المالية المنصوص عليها في المادة 39 من هذا القانون مع الأخذ بعين الاعتبار غياب أي اعتراض، وفي هذه الحالة، يقلص المبلغ الأقصى للعقوبة المحكوم بها إلى النصف، وعندما تتعهد المنشأة أو الهيأة، علاوة على ذلك، بتغيير تصرفاتها في المستقبل، يجوز للمقرر العام أن يقترح على المجلس أخذ ذلك أيضا بعين الاعتبار عند تحديد مبلغ العقوبة".

وانطلاقا من أن الأمر يتعلق بمنشآت، استنادا إلى المادة 6 التي ارتكزت عليها مؤاخذة مجلس المنافسة للشركات شهر غشت الماضي، فإن منطوق المادة 39 يوصل الحد الأقصى للعقوبات المفروضة على المنشأة المتورطة إلى 10 في المائة من رقم معاملاتها الأعلى.

وورد في هذا النص " يجوز لمجلس المنافسة أن يصدر عقوبة مالية تطبق إما فورا أو في حالة عدم تنفيذ الأوامر أو في حالة عدم احترام التعهدات التي قبلها المجلس"، مضيفا "تتناسب العقوبات المالية مع خطورة الأفعال المؤاخذ عليها وأهمية الضرر الملحق بالاقتصاد ومع وضعية الهيأة أو المنشأة الصادرة ضدها العقوبة أو المجموعة التي تنتمي إليها المنشأة، واحتمال العودة إلى الممارسات المحظورة بموجب هذا القسم. وتحدد بشكل منفصل بالنسبة إلى كل منشأة أو هيأة صدرت ضدها العقوبة مع تعليل كل عقوبة".

أما الفقرة الثالثة، وهي مربط الفرس، فتقول "إذا لم يكن المخالف منشأة، فإن المبلغ الأقصى للعقوبة هو أربعة ملايين درهم، أما المبلغ الأقصى للعقوبة بالنسبة لمنشأة فهو 10 في المائة من مبلغ رقم المعاملات الأعلى العالمي أو الوطني بالنسبة للمنشآت التي ليس لها نشاط دولي، دون احتساب الرسوم، والمنجز خلال إحدى السنوات المحاسبية المختتمة منذ السنة التي سبقت تلك التي تم خلالها القيام بالممارسات، و إذا كانت حسابات المنشأة المعنية مجمعة أو مشتركة حسب النصوص المطبقة على شكل الشركة، فإن رقم المعاملات المعتبر هو المتضمن في الحسابات المجمعة أو المشتركة للمنشأة المنجزة للتجميع أو التشارك".

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

سام

امور عادية

نقلا عن جريدو هيسبريس المغربية أن حالة من الارتياح تسود داخل مجلس المنافسة بعد الاتفاق الذي جرى التوصل إليه مع الشركات العاملة في قطاع المحروقات بالمملكة، والتعهدات التي التزمت بها، فيما يستهدف المجلس تطبيق مخرجات الاتفاق على باقي القطاعات في المستقبل. وأفادت المصادر بأن الأنظار تتجه في الأسابيع المقبلة إلى الخطوط التوجيهية التي سيصدرها مجلس المنافسة، التي يسمح بها القانون، إذ يرتقب أن يكون فيها “نوع من الشرح للقانون وتقديم المساطر التي ستتبعها الأطراف المعنية من ناحية التخزين المشترك والشراء المشترك، ومن ناحية تبادل المعلومات مع قطاع المحروقات”. وأكدت المصادر ذاتها أن المجلس يستهدف في المستقبل “تطبيق ما تم التوصل إليه مع شركات المحروقات على باقي القطاعات”، معتبرة أن هذا القطاع “سيسمح بتحسين السوق بشكل عام على مستوى تبادل المعلومات في التخزين المشترك والشراء المشترك”. ويرتقب أن تنزل هذه الأنباء بردا وسلاما على العديد من الفاعلين في قطاعات اقتصادية وتجارية مختلفة بالمملكة، الذين ظلوا يشتكون وينتقدون غياب منافسة حقيقية بين الشركات ووجود شبهات تواطؤ واتفاق على رفع الأسعار، في ضرب واضح منهم للقدرة الشرائية للمواطن ومراكمة أرباح كبيرة بشكل سريع ومناف لقيم النزاهة والشفافية. وكان رئيس مجلس المنافسة، أحمد رحو، أكد في تصريح سابق لجريدة هسبريس الإلكترونية أن ملف النزاع مع شركات المحروقات “طوي بشكل نهائي”، مردفا: “سنبدأ ملف تتبع احترامها الالتزامات التي اتفقنا عليها على مدى السنوات الثلاث المقبلة”. وتابع رحو: “عندنا ثقة كبيرة في المستقبل؛ لأنه سيكون هناك تتبع، والالتزامات التي اتخذتها الأطراف كانت قوية جدا”، مشددا على أن النتائج التي جرى التوصل إليها جاءت بعد “نقاش دام لأشهر طويلة، واشتغلنا عليه بالجدية المطلوبة”. وأشار رئيس مجلس المنافسة إلى أن الأسابيع المقبلة ستعرف “نوعا من التتبع لكيفية تغير الأثمان، مع تتبع المخزون وثمن المشتريات وتطبيقه وفق وتيرة التغيرات التي تسجل في السوق الدولية”، وزاد موضحا: “السوق الدولية فيها مؤشر المواد المكررة التي تمكننا من معرفة الأثمان في السوق المغربية، بعد إضافة كلفة النقل والتخزين والتوزيع، وهذا كله سنتابعه”. وأعلن مجلس المنافسة، الخميس الماضي، أن الشركات الـ9 التي تعمل في الأسواق الوطنية للتموين والتخزين وتوزيع البنزين والكازوال، والجمعية المهنية الممثلة لهذه الشركات، ستؤدي مبلغ 1.840 مليار درهم كتسوية تصالحية بالنسبة لجميع الشركات ومنظمتها المهنية، التي سبق أن وجه إليها المجلس مؤاخذات تتعلق بممارسات منافية للمنافسة خلال شهر غشت الماضي